فصل: 1866- باب ومن سورة الصف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1864- باب ومن سورة الحشر

مدنية وهي أربع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3423- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ‏:‏ ‏"‏حَرّقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بَنِي النّضِيرِ وَقَطّعَ وَهِيَ البُوَيْرَةُ فأَنْزَلَ الله ‏{‏مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله وَلِيُخْزِيَ الفَاسِقِينَ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3424- حدثنا الْحَسَنُ بنُ محَمدٍ الزّعْفَرَانِيّ، حدثنا عَفّانُ بن مسلم حدثنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ حدثنا حَبِيبُ بنُ أَبي عَمْرَةَ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ في قَوْلِ الله عَزّ وَجَلّ‏:‏ ‏{‏ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمةً عَلَى أُصُولِهَا‏}‏ قالَ‏:‏ اللّينَةُ النّخْلَةُ ‏{‏وَلِيُخْزِيَ الفَاسِقِينَ‏}‏ قالَ‏:‏ اسْتَنْزَلُوهُمْ مِنْ حُصُونِهِمْ قالَ‏:‏ وَأُمِرُوا بِقَطْعِ النّخْلِ فَحَكّ في صُدُورِهِمْ فقَالَ المُسْلِمُونَ قَدْ قَطَعْنَا بَعْضاً وتركنا بعضاً فَلَنَسْأَلَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم هلْ لَنَا فيما قَطَعنَا مِنْ أَجْرٍ وهَلْ عَلَيْنَا فِيمَا تَرَكْنَا مِنْ وِزْرٍ‏؟‏ فأنْزَلَ الله تَعَالَى ‏{‏مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قائِمَةً عَلى أُصُولِهَا‏}‏ الاَيَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ ورَوَى بَعْضَهُمْ هَذَا الحَدِيثِ عَن حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ عَنْ حَبِيبِ بنِ أَبي عَمْرَةَ عَن سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلاً ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَن ابنِ عَبّاسٍ‏.‏

3425- حدثنا بِذَلِكَ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، حدثنا مروان بنِ مُعَاوِيَةَ عَن حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، عَن حَبِيبِ بنِ أَبي عَمْرَةَ، عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ سَمِعَ مِنّي مُحَمدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الحَدِيثَ‏.‏

3426- حدثنا أَبُو كُرَيْب حدثنا وَكِيعٌ عَن فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ عَن أَبي حَازِمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ ‏"‏أَنّ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ بَاتَ عِنْدَهُ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلاّ قُوتهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ فقالَ لامْرَأَتِهِ‏:‏ نَوّمِي الصّبْيَةَ وَأَطْفِئِي السّرَاجَ وَقَرّبِي لِلضّيْفِ ما عِنْدَكِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيةُ ‏{‏وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ‏}‏‏.‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حرق‏)‏ من التحريق ‏(‏نخل بني النضير‏)‏ أي أمر بقطع نخيلهم وتحريقها وهم طائفة من اليهود وقصتهم مشهورة مذكورة في كتب السير، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصرهم إهانة لهم وإرهاباً وإرعاباً لقلوبهم ‏(‏وهي‏)‏ أي نخيلهم ‏(‏البويرة‏)‏ بضم الموحدة وفتح الواو مصغراً موضع نخل بني النضير ‏{‏ما قطعتم من لينة‏}‏ أي أي شيء قطعتم من نخلة ‏{‏أو تركتموها‏}‏ الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة ‏{‏قائمة على أصولها‏}‏ أي لم تقطعوها ‏{‏فبإذن الله‏}‏ أي بأمره وحكمه يعني خيركم في ذلك ‏{‏وليجزي‏}‏ أي بالإذن في القطع ‏{‏الفاسقين‏}‏ يعني اليهود‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا الحديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عفان‏)‏ بن مسلم بن عبد الله الصفار البصري ‏(‏حدثنا حبيب ابن أبي عمرة‏)‏ القصاب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال اللينة النخلة‏)‏ أي قال ابن عباس إن المراد من اللينة النخلة‏.‏ قال الإمام البخاري‏:‏ ما قطعتم من لينة نخلة ما لم تكن عجوة أو برنية‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قال أبو عبيدة في تفسير هذه الاَية أي من نخلة وهي من الألوان ما لم تكن عجوة أو برنية إلا أن الواو ذهبت بكسر اللام‏.‏ وروى سعيد بن منصور من طريق عكرمة قال اللينة ما دون العجوة‏.‏ وقال سفيان هي شديدة الصفرة تنشق عن النوى ‏(‏قال‏)‏ أي ابن عباس ‏(‏استنزلوهم‏)‏ أي أنزلوا اليهود ‏(‏فحك في صدورهم الخ‏)‏ يقال حك الشيء في نفسي إذا لم تكن منشرح الصدر به وكان في قلبك منه شيء من الشك والريب وأوهمك أنه ذنب وخطيئة‏.‏ وروى الحافظ أبو يعلى في مسنده قال حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا حفص عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن جابر وعن أبي الزبير عن جابر قال‏:‏ رخص لهم في قطع النخل ثم شدد عليهم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله علينا إثم فيما قطعنا أو علينا وزر فيما تركنا‏؟‏ فأنزل الله عز وجل ‏{‏ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله‏}‏ كذا في تفسير ابن كثير ‏(‏من وزر‏)‏ بكسر الواو وسكون الزاي أي إثم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه النسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه ‏(‏عن هارون بن معاوية‏)‏ بن عبيد الله بن يسار الأشعري صدوق من كبار العاشرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عيسى سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث‏)‏ وقد سمع هو منه أيضاً حديث أبي سعيد‏:‏ يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك‏.‏ كما صرح به الترمذي بعد إخراجه في مناقب علي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حازم‏)‏ إسمه سلمان الأشجعي الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلاً من الأنصار‏)‏ يقال له أبو طلحة كما في رواية مسلم ‏(‏إلا قوته وقوت صبيانه‏)‏ أي طعامه وطعام صبيانه، والقوت بالضم ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام ‏(‏نومي الصبية‏)‏ بكسر الصاد وسكون الموحدة جمع صبي ‏(‏ما عندك‏)‏ أي من الطعام ‏{‏ويؤثرون على أنفسهم‏}‏ أي في كل شيء من أسباب المعاش، والإيثار تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا رغبة في حظوظ الاَخرة وذلك ينشأ عن قوة اليقين ووكيد المحبة والصبر على المشقة، يقال آثرته بكذا أي خصصته به فضلته، والمعنى ويقدم الأنصار المهاجرين على أنفسهم في حظوظ الدنيا ‏{‏ولو كان بهم خصاصة‏}‏ أي حاجة وفقر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1865- باب ومن سورة الممتحنة

مدنية وهي ثلاث عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3427- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيانُ عَن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عَن الحَسَنِ بنِ مُحمّدٍ هُوَ ابنُ الْحَنَفِيّةِ عَن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي رَافِعٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَلِيّ بنَ أَبي طَالِبٍ يقُولُ‏:‏ ‏"‏بَعَثَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزّبَيْرَ والمِقْدَاد بنَ الأسْوَدِ فقالَ‏:‏ انْطَلِقُوا حتّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فإِنّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَأْتُونِي بِهِ فَخَرَجْنَا تَتَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتّى أَتَيْنَا الرّوْضَةَ فإِذَا نَحْنُ بالظّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الكِتَابَ فقالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنّ الكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنّ الثّيَابَ، قالَ‏:‏ فأخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، قالَ‏:‏ فأَتَيْنَا بِهِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فإِذَا هُوَ مِنْ حَاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ إلى أُناسٍ مِنَ المُشْرِكينَ بِمَكَةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ‏:‏ ما هَذَا يَا حاطِبُ‏؟‏ قالَ‏:‏ لا تَعْجَلْ عَلَيّ يا رَسُولَ الله إِنّي كُنْتُ امْرَاً مُلْصَقاً في قُرَيْشٍ وَلَمْ أكُنْ مِنْ أنْفُسِهَا وكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكّةَ فأَحْبَبْتُ إذْ فاتَنِي ذَلِكَ مِنْ نَسَبٍ فِيهمْ أَنْ أَتّخِذَ فِيهمْ يَداً يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْراً ولاَ ارْتِدَاداً عَنْ دِينِي ولاَ رِضًى بالْكُفْرِ بعد الإسلام، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ صَدَقَ، فقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ‏:‏ دَعْنِي يا رَسُولَ الله أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فقالَ‏:‏ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِنّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً فَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّ الله اطّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فقالَ‏:‏ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ‏.‏ قالَ‏:‏ وَفِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ السّورَةُ ‏{‏يا أيّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَخِذُوا عَدُوّي وعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بالمَوَدّةِ‏}‏ السّورَةَ‏.‏ قالَ عَمْرُو‏:‏ وَقَدْ رَأَيْتُ ابنَ أَبي رَافِعٍ وكَانَ كاتِباً لِعَلِيّ بن أبي طالب‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَفِيه عَن عَمرٍو وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ الله‏.‏ وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَن سُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ هَذَا الحدِيثَ نَحْوَ هَذَا وَذَكَرَوُا هَذَا الحَرْفَ فقالُوا‏:‏ لَتُخْرِجِنّ الكِتّابَ أوْ لَتُلْقِيَنّ الثّيَابَ‏.‏ وقَدْ رُوِيَ أَيْضاً عَن أَبي عَبْدِ الرّحْمَن بن يحيى السّلَمِيّ عَن عَلِيّ بن أَبي طَالِبٍ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ وَرَوى بَعْضُهُمْ فِيهِ‏:‏ فقال لَتُخْرِجنّ الكِتَابَ أَوْ لَنُجَرّدَنّكِ‏.‏

3428- حدثنا عبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا عَبْدُ الرزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن الزّهْرِيّ عَن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ قالتْ‏:‏ ‏"‏ما كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَمْتَحِنُ إِلاّ بالاَيةِ الّتِي قالَ الله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا جاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنِكَ‏}‏ الاَيَة‏.‏ قالَ‏:‏ مَعْمَرٌ، فأَخْبَرَنِي ابنُ طَاوُسٍ عَن أَبِيهِ قالَ‏:‏ مَا مَسّتْ يَدُ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأةٍ إلاّ امْرَأَةً يَمْلِكُهَا‏"‏‏.‏ قال‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3429- حدثنا عبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا أَبُو نَعِيمٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ عَبْدِ الله الشّيْبَانيّ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ شَهْرَ بنَ حَوْشَبٍ‏:‏ قالَ‏:‏ حدثَتْنَا أُمّ سَلَمَةَ الأنْصَارِيّةُ قالتْ‏:‏ ‏"‏قالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النّسْوَةِ‏:‏ مَا هَذَا المَعْرُوفُ الّذِي لا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْصِيكَ فِيهِ‏؟‏ قال‏:‏ لا تَنُحْنَ‏.‏ قُلْتُ يا رَسولَ الله إِنّ بَنِي فُلاَنٍ قَدْ أسْعَدُونِي عَلَى عَمّي وَلاَ بُدّ لِي مِنْ قَضَائِهِنّ، فأَبَى عَلَيّ فَأَتَيْتُهُ مِرَاراً فأَذِنَ لِي في قَضَائِهِنّ فَلَمْ أَنُحْ بَعْد قَضَائِهِنّ ولاَ عَلَى غَيْرِهِ حَتّى السّاعَة ولَمْ يَبْقَ مِنَ النّسْوَةِ امْرَأَةٌ إِلاّ وَقَدْ ناحَتْ غَيْرِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وفِيهِ عَن أُمّ عَطِيّةَ رضي الله عنه قالَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ‏:‏ أُمّ سَلَمَةَ الأنْصَارِيّةُ هِيَ أسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بنِ السّكَنِ‏.‏

3430- حدثنا سَلَمةُ بْنُ شَبِيبٍ‏.‏ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابيّ‏.‏ حَدّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرّبِيعِ عَنِ الأَغَرّ بْنِ الصّبّاحِ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصيْنٍ عَنْ أبي نَصْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعَالى ‏{‏إِذَا جَاءَكُمُ الْمؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ‏}‏ قَالَ‏:‏ كانَتِ المَرْأَةُ إِذَا جَاءَت النّبيّ صلى الله عليه وسلم لتسلم حَلفَهَا بالله مَا خَرَجْتُ مِنْ بُغْصِ زَوْجِي، مَا خَرَجْتُ إلا حُبّا لله وَلرَسُولِهِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏عن الحسن بن محمد هو ابن الحنفية‏)‏ قال في التقريب‏:‏ الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو محمد المدني وأبوه ابن الحنفية ثقة فقيه من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير‏)‏ أكد الضمير المنصوب في بعثنا بلفظ أنا كما في قوله تعالى ‏{‏إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً‏}‏ ولا منافاة بين هذا وبين رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي‏:‏ بعثني وأبا مرثد الغنوى والزبير بن العوام لاحتمال أن يكون البعث وقع لهم جميعاً ‏(‏حتى تأتوا روضة خاخ‏)‏ بمنقوطتين من فوق موضع باثني عشر ميلاً من المدينة ‏(‏فإن بها ظعينة‏)‏ بالظاء المعجمة أي امرأة، وأصل الظعينة الهودج فيه امرأة ثم قيل للمرأة وحدها والهودج وحده ‏(‏معها كتاب‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ تجدون بها امرأة اعطاها حاطب كتاباً ‏(‏فأتوني به‏)‏ أي بالكتاب الذي معها ‏(‏تتعادى‏)‏ أي تتسابق وتتسارع من العدو ‏(‏حتى أتينا الروضة‏)‏ أي روضة خاخ ‏(‏لتخرجن‏)‏ بكسر الجيم بصيغة المخاطبة من الإخراج ‏(‏أو لتلقين‏)‏ بإثبات التحتية مكسورة أو مفتوحة، وكذا وقع عند البخاري في تفسير سورة الممتحنة‏.‏ فإن قلت القواعد العربية تقتضي أن تحذف تلك الياء ويقال لتلقن، قلت القياس ذلك وإذا صحت الرواية بالياء فتأويل الكسرة إنها لمشاكلة لتخرجن والفتح بالحمل على المؤنث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، والمعنى لترمين الثياب وتتجردن عنها ليتبين لنا الأمر ‏(‏فأخرجه من عقاصها‏)‏ بكسر العين المهملة جمع عقيصة أي من ذوائبها المضفورة، وفي رواية للبخاري في الجهاد فأخرجت من حجزتها بضم المهملة وسكون الجيم بعد زاي معقد الإزار والسراويل‏.‏ قال الحافظ والجمع بين هاتين الروايتين بأنها أخرجته من حجزتها فأخفته في عقاصها ثم اضطرت إلى إخراجه أو بالعكس أو بأن تكون عقيصتها طويلة بحيث تصل إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته في حجزتها، وهذا الاحتمال أرجح انتهى‏.‏ ‏(‏فأتينا به‏)‏ أي بالكتاب ‏(‏من حاطب بن أبي بلتعة‏)‏ بموحدة مفتوحة ولام ساكنة فمثناة فوقية وعين مهملة مفتوحتين وتوفي حاطب سنة ثلاثين ‏(‏يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي مرسل عروة يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشاً ‏(‏لا تعجل علي‏)‏ أي في الحكم بالكفر ونحوه ‏(‏إني كنت أمرأ ملصقاً في قريش‏)‏ بفتح الصاد أي حليفاً لهم ‏(‏ولم أكن من أنفسها‏)‏ وعند أحمد وكنت غريباً‏.‏ قال السهيلي كان حاطب حليفاً لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزي يحمون بها من الحماية أي يحفظون القرابات ‏(‏أن اتخذ فيهم‏)‏ مفعول لقوله أحببت ‏(‏يداً‏)‏ أي نعمة ومنة عليهم ‏(‏يحمون بها قرابتي‏)‏ في رواية ابن إسحاق‏:‏ وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه ‏"‏صدق‏"‏ بتخفيف الدال أي قال الصدق ‏(‏فقال عمر بن الخطاب دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق‏)‏ إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقاً لكونه أبطن خلاف ما أظهر، وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه ‏"‏إنه قد شهد بدراً‏"‏ فكأنه قيل وهل يسقط عنه شهوده بدراً هذا الذنب العظيم، فأجاب بقوله ‏"‏فما يدريك‏"‏ إلى آخره ‏"‏لعل الله اطلع على أهل بدر‏"‏ قال العلماء إن الترجي في كلام الله ورسوله للوقوع، وعند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه ‏"‏إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏"‏‏.‏ وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعاً‏:‏ ‏"‏لن يدخل النار أحد شهد بدراً‏"‏ ‏(‏فقال‏)‏ تعالى مخاطباً لهم خطاب تشريف وإكرام ‏(‏اعملوا ما شئتم‏)‏ في المستقبل ‏(‏فقد غفرت لكم‏)‏ عبر عن الاَتي بالواقع مبالغة في تحققه وعند الطبراني من طريق معمر عن الزهري عن عروة‏:‏ غافر لكم وفي مغازي ابن عائذ من مرسل عروة‏:‏ اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم‏.‏ قيل القرطبي‏:‏ وهذا الخطاب قد تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن تغفر لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت منهم، وما أحسن قول بعضهم‏:‏

وإذا الحبيب أتى بذنب واحدجاءت محاسنه بألف شفيع

وليس المراد أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء وجود ذلك الشيء، واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الاَخرة لا بأحكام الدنيا عن إقامة الحدود وغيرها ‏"‏وفيه أنزلت‏"‏ أي في حاطب بن أبي بلتعة ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم‏}‏ أي الكفار ‏{‏أولياء‏}‏ أي أصدقاء وأنصاراً ‏{‏تلقون‏}‏ أي توصلون ‏{‏إليهم بالمودة‏}‏ أي بأسباب المحبة، وقيل معناه تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وسره بالمودة التي بينكم وبينهم‏.‏ وبعده ‏{‏وقد كفروا‏}‏ أي وحالهم أنهم كفروا بما جاءكم من الحق يعني القرآن ‏{‏يخرجون الرسول وإياكم‏}‏ أي من مكة ‏{‏أن تؤمنوا‏}‏ أي لأن آمنتم كأنه قال يفعلون ذلك لإيمانكم ‏{‏بالله ربكم إن كنتم خرجتم‏}‏ شرط جوابه متقدم، والمعنى إن كنتم خرجتم ‏{‏جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي‏}‏ فلا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء ‏{‏تسرون إليهم بالمودة‏}‏ أي بالنصيحة ‏{‏وأنا أعلم بما أخفيتم‏}‏ أي من المودة للكفار ‏{‏وما أعلنتم‏}‏ أي أظهرتم بألسنتكم منها ‏{‏ومن يفعله منكم‏}‏ أي الإسرار وإلقاء المودة إليهم ‏{‏فقد ضل سواء السبيل‏}‏ أي أخطأ طريق الهدى ‏(‏السورة‏)‏ بالنصب أي أتم السورة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفيه عن عمر وجابر بن عبد الله‏)‏ لينظر من أخرج حديثهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالوا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب‏)‏ هذا بيان لما قبله ‏(‏وهذا حديث قد روي أيضاً عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب الخ‏)‏ رواه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن‏)‏ أي يختبر ‏(‏إلا بالاَية التي الخ‏)‏ أي بما في هذه الاَية، وفي رواية البخاري في التفسير‏:‏ كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الاَية بقول الله ‏{‏يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات‏}‏ الخ ‏{‏إذا جاءك المؤمنات يبايعنك‏}‏ أي قاصدات لمبايعتك على الإسلام ‏(‏الاَية‏)‏ تمامها ‏{‏على أن لا يشركن بالله شيئاً‏}‏ أي شيئاً من الأشياء كائناً ما كان ‏{‏ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن‏}‏ هو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات أي دفنهن أحياء لخوف العار والفقر ‏{‏ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن‏}‏ أي لا يلحقن بأزواجهن ولداً ليس منهم‏.‏ قال الفراء‏:‏ كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي فذلك البهتان المفتري بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها، وليس المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنا إلى زوجها لأن ذلك قد دخل تحت النهي عن الزنا ‏{‏ولا يعصينك في معروف‏}‏ أي في كل أمر هو طاعة لله وإحسان إلى الناس، وكل ما أمر به الشرع ونهى عنه، والمعروف ما عرف حسنه من قبل الشرع ‏{‏فبايعهن‏}‏ أي إذا بايعنك على هذه الشروط فبايعهن ‏{‏واستغفر لهن الله‏}‏ أي عما مضى ‏{‏إن الله غفور رحيم‏}‏ أي بليغ المغفرة بتمحيق ما سلف وكثير الرحمة لعباده ‏(‏قال معمر‏)‏ أي بالإسناد السابق ‏(‏ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي عند المبايعة، وفي رواية البخاري في التفسير‏:‏ قالت عائشة فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏قد بايعتك كلاماً‏"‏ ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة‏.‏ ما يبايعهن إلا بقوله ‏"‏قد بايعتك على ذلك‏"‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية فعند ابن خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة قال فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال ‏"‏أللهم اشهد‏"‏، وكذا حديث أم عطية الذي فيه‏:‏ قبضت منا امرأة يدها فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن، ويمكن الجواب عن الأول بأن من الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحته، وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر عن القبول أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في المراسيل عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه في يده وقال لا أصافح النساء، وعند عبد الرزاق من طريق إبراهيم النخعي مرسلاً نحوه، وعند سعيد بن منصور من طريق قيس بن أبي حازم كذلك، وأخرج ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه عن أبان بن صالح أنه صلى الله عليه وسلم كان يغمس يده في إناء وتغمس المرأة يدها فيه ويحتمل التعدد، وقد أخرج الطبراني أنه بايعهن بواسطة عمر، وروى النسائي والطبري من طريق محمد بن المنكدر أن أميمة بنت رقيقة بقافين مصغراً أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع فقلن يا رسول الله أبسط يدك نصافحك فقال ‏"‏إني لا أصافح النساء ولكن سآخذ عليكن‏"‏ فأخذ علينا حتى بلغ ‏{‏ولا يعصينك في معروف‏}‏ فقال فيما أطقتن واستطعتن فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا‏.‏ وفي رواية الطبري ما قولي لمائة امرأة إلا كقولي لامرأة واحدة‏.‏ وقد جاء في أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب‏.‏ أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يزيد بن عبد الله الشيباني‏)‏ أبو عبد الله الكوفي ثقة من كبار السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما هذا المعروف‏)‏ أي الذي وقع في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يعصينك في معروف‏}‏، ‏(‏الذي لا ينبغي لنا‏)‏ أي لا يجوز لنا ‏(‏أن نعصيك فيه‏)‏ أي في هذا المعروف ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا تنحن‏"‏ من النوح وهو البكاء على الميت وتعديد محاسنه، وقيل النوح بكاء مع الصوت ومنه ناح الحمام نوحا ‏(‏قد أسعدوني على عمي‏)‏ من الإسعاد وهو إسعاد النساء في المناحاة تقوم المرأة فتقوم معها أخرى من جاراتها فتساعدها على النياحة، قال الخطابي الإسعاد خاص في هذا المعنى، وأما المساعدة فعامة في كل معونة ‏(‏ولا بد لي من قضائهم‏)‏ أي من أن أجزيهم ‏(‏فأبى‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يأذن لي في قضائهم ‏(‏فعاتبته‏)‏ أي راجعته وعاودته ‏(‏فأذن لي في قضائهن‏)‏ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأم سلمة الأنصارية في إسعادهن وكذلك رخص أيضاً لأم عطية كما في حديثها عند الشيخين وغيرهما ولفظ مسلم قالت‏:‏ لما نزلت هذه الاَية ‏{‏يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يعصينك في معروف‏}‏ قالت كان منه النياحة، قالت فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إلا آل فلان‏"‏ فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي أن أسعدهم‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا آل فلان‏.‏ قال النووي هذا محمول على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة كما هو ظاهر ولا تحل النياحة لغيرها ولا لها في غير آل فلان كما هو صريح في الحديث، وللشارع أن يخص من العموم ما شاء فهذا صواب الحكم في هذا الحديث‏.‏

واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالاً عجيبة ومقصودي التحذير من الابترار بها حتى إن بعض المالكية قال النياحة ليست بحرام بها الحديث وقصد نساء جعفر‏.‏ قال وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية كمشق الجيوب وخمش الخدود ودعوى الجاهلية، والصواب ما ذكرناه أولاً وأن النياحة حرام مطلقاً وهو مذهب العلماء كافة وليس فيما قاله هذا القائل دليل صحيح لما ذكره انتهى‏.‏

قلت‏:‏ دعوى تخصيص الترخيص بأم عطية رضي الله عنها غير صحيحة فقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة الأنصارية كما في حديثها هذا، وأخرج ابن مردويه من حديث ابن عباس‏.‏ قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن ‏{‏أن لا يشركن بالله شيئاً‏}‏ الاَية قالت خولة بنت حكيم‏:‏ يا رسول الله كان أبي وأخي ماتا في الجاهلية وإن فلانة أسعدتني وقد مات أخوها الحديث، وأخرج أحمد والطبري من طريق مصعب بن نوح قال أدركت عجوزاً لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأخذ علينا ‏"‏ولا تنحن‏"‏ فقالت عجوز يا نبي الله إن ناساً كانوا أسعدونا على مصائب أصابتنا وإنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أن أسعدهم‏.‏ قال ‏"‏فاذهبي فكافئيهم‏"‏‏.‏ قالت فانطلقت فكافأتهم ثم إنها أتت فبايعته‏.‏ قال الحافظ والأقرب إلى الصواب أن النياحة كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم تحريم‏.‏ وقال العيني والجواب الذي هو أحسن الأجوبة وأقربها أن يقال إن النهي ورد أولاً للتنزيه ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم فيكون الإذن الذي وقع لمن ذكر في الحالة الأولى ثم وقع التحريم وورد الوعيد الشديد في أحاديث كثيرة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفيه عن أم عطية‏)‏ أخرج حديثها الشيخان‏.‏

1866- باب ومن سورة الصف

فيها قولان أحدهما أنها مدنية وهو قول ابن عباس والجمهور والثاني أنها مكية وهي أربع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3431- حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أخبرنا مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ عَن الأوْزَاعِيّ عَن يَحْيَى بنِ أبِي كثِيرٍ عَن أبي سَلَمَةَ عَن عَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قَعَدْنَا نَفَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَتَذَاكَرْنا فَقُلْنَا لَوْ نَعْلَمُ أيّ الأعْمَالِ أحَبّ إِلى الله لَعَمِلْنَاهُ، فأنْزَلَ الله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏سَبّحَ لله ما فِي السّمَواتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏‏.‏ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لاَ تَفْعَلُونَ‏}‏ قالَ‏:‏ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ فَقَرَأها عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قالَ‏:‏ أَبُو سَلَمَةَ فَقَرَأها عَلَيْنَا ابنُ سَلاَمٍ‏.‏ قالَ‏:‏ يَحْيَى فَقَرأها عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ‏.‏ قالَ‏:‏ ابنُ كَثِيرٍ فَقَرَأَها عَلَيْنَا الأوْزَاعِيّ‏.‏ قالَ‏:‏ عَبْدُ الله فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابنُ كَثِيرٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ خُولِفَ مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ في إِسْنَادٍ هَذَا الحَدِيثِ عَن الأَوْزَاعِيّ وروى ابنُ المُبَارَكِ عَن الأَوْزَاعِيّ عَنْ يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عَن هِلاَلِ بنِ أبي مَيْمُونَةَ عَن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عَن عَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ أَوْ عَن أبِي سَلَمَةَ عَن عَبْدِ الله سَلاَمٍ‏.‏ وَروَى الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن الأَوْزَاعِيّ نَحْوَ رِوَايَةِ مُحمّدِ بنِ كَثِيرٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن كثير‏)‏ بن أبي عطاء الثقفي الصنعاني أبو يوسف نزيل المصيصة صدوق كثير الغلط من صغار التاسعة ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ هو ابن عبد الرحمن‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قعدنا نفراً‏)‏ حال من ضمير قعدنا والنفر بفتحتين عدة من رجال من ثلاثة إلى عشرة ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون‏}‏ هذا إنكار على من يعد وعداً أو يقول قولاً لا يفي به ولهذا استدل بهذه الاَية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقاً سواء ترتب عليه عزم الموعود أم لا، وذهب الإمام مالك إلى أنه إذا تعلق بالوعد عزم على الموعود وجب الوفاء به، وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقاً وحملوا الاَية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم‏.‏ عن ابن عباس قال‏:‏ كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون‏}‏ وهذا اختيار ابن جرير‏.‏ هذا تلخيص ما ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره وهو الظاهر، وقيل أنزلت في شأن القتال يقول الرجل قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب وصبرت ولم يصبر، وقيل غير ذلك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله بن سلام فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو سلمة فقرأها علينا ابن سلام الخ‏)‏ حديث عبد الله بن سلام هذا يسمى بالمسلسل بقراءة سورة الصف، قال في المنح هذا صحيح متصل الإسناد والتسلسل ورجاله ثقات وهو أصح مسلسل روي في الدنيا انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح في تفسير سورة الصف‏:‏ وقد وقع لنا سماع هذه السورة مسلسلاً في حديث ذكر في أوله سبب نزولها وإسناده صحيح قل إن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد خولف محمد بن كثير في إسناد هذا الحديث عن الأوزاعي فروى ابن المبارك عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير الخ‏)‏ قال الحافظ ابن كثير‏:‏ وهكذا رواه الإمام أحمد عن معمر عن ابن المبارك به ‏(‏وروى الوليد بن مسلم هذا الحديث عن الأوزاعي نحو رواية محمد بن كثير‏)‏ قال الحافظ ابن كثير‏:‏ وكذا رواه الوليد بن يزيد عن الأوزاعي كما رواه ابن كثير‏.‏ وحديث عبد الله بن سلام هذا أخرجه أيضاً أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وأبو يعلى والطبراني والبيهقي في الشعب والسنن‏.‏

1867- باب ومن سورة الجمعة

مدنية وهي إحدى عشرة آية

3432- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ جَعْفَر حَدّثَني ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ الدّيْليّ عَن أبِي الغَيْثِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏كُنّا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الجُمُعَةِ فَتَلاَها فَلَمّا بَلَغَ ‏{‏وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ‏}‏ قالَ لَهُ رَجُلٌ‏:‏ يا رَسُولَ الله مَنْ هَؤُلاَءِ الّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِنَا فَلَمْ يُكَلّمْهُ، قالَ‏:‏ وَسَلْمَانُ الفارسيّ فِينَا، قالَ‏:‏ فَوَضَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ فقالَ‏:‏ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الإِيمانُ بالثّرَيّا لَتَناوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاَءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ وَعبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ هُوَ وَالِدُ عَلِيّ بنِ المَدِينيّ ضَعّفَهُ يَحْيَى بنُ مَعِينٍ‏.‏ وَقَدْ رُوِي هَذَا الحَدِيثُ عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وأَبُو الغَيْثِ اسْمُهُ سَالِمٌ مَولَى عَبْدِ الله بنِ مُطِيعٍ مدني ثقة‏.‏ ثَوْرُ بنُ زَيْدٍ مَدَنيّ، وَثَوْرُ بنُ يَزِيدَ شَامِيّ‏.‏

3433- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا هُشَيْمٌ أخبرنا حُصَيْنٌ عَن أَبي سُفْيَانَ عَن جَابِرٍ قالَ‏:‏ ‏"‏بَيْنَمَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعةِ قائِماً إِذْ قَدِمَتْ عِيرُ المَدِينَةِ فابْتدَرَها أَصْحَابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلاّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وَنَزَلَتْ الاَيةُ ‏{‏وإِذَا رَأوْا تِجَارَةً أوْ لَهْواً انْفَضّوا إلَيْهَا وتركوك قائماً‏}‏‏.‏

قال‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3434- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا هشام أخبرنا حُصَيْنٌ عَن سَالِمِ بنِ أَبي الجَعْدِ عَن جابِرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏{‏وآخرين منهم‏}‏ مجرور عطفاً على الأميين أي بعثه في الأميين الذين على عهده وبعثه في آخرين منهم، أو منصوب عطفاً على الضمير المنصوب في يعلمهم أي ويعلم آخرين وكل من يعلم شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر الزمان فرسول الله صلى الله عليه وسلم معلمه بالقوة لأنه أصل ذلك الخير العظيم والفضل الجسيم، أو عطفاً على مفعول يزكيهم أي يزكيهم ويزكي آخرين، والمراد بالاَخرين من جاء بعد الصحابة إلى يوم القيامة، وقيل المراد بهم من أسلم من غير العرب، وقال عكرمة‏:‏ هم التابعون، وقال مجاهد‏:‏ الناس كلهم‏.‏ وكذا قال ابن زيد والسدي ‏{‏لما يلحقوا بها‏}‏ أي ذلك الوقت وسيلحقون بهم من بعد، وقيل في السبق إلى الإسلام والشرف والدرجة، وهذا النفي مستمر دائماً لأن الصحابة لا يلحقهم ولا يساويهم في شأنهم أحد من التابعين ولا ممن بعدهم‏.‏ فالمنفي هنا غير متوقع الحصول ولذلك لما ورد عليه أن لما تنفي ما هو متوقع الحصول والمنفي هنا ليس كذلك فسرها المحلى بلم التي منفيها أعم من أن يكون متوقع الحصول أولاً، فلما هنا ليست على بابها والضمير في بهم ومنهم راجع إلى الأميين وهذا يؤيد أن المراد بالاَخرين هم من يأتي بعد الصحابة من العرب خاصة إلى يوم القيامة وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان مرسلاً إلى جميع الثقلين فتخصيص العرب هنا القصد الامتنان عليهم وذلك لا ينافي عموم الرسالة، ويجوز أن يراد بالاَخرين العجم لأنهم وإن لم يكونوا من العرب فقد صاروا بالاسلام مثلهم، والمسلمون كلهم أمة واحدة وإن اختلفت أجناسهم ‏(‏فلم يكلمه‏)‏ أي سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبه‏.‏ وفي رواية البخاري فلم يراجعه حتى سأل ثلاثاً ‏(‏وسلمان فينا‏)‏ أي كان سلمان الفارسي موجوداً فينا ‏"‏لو كان الإيمان بالثريا‏"‏ بضم المثلثة وفتح الراء وشدة التحتية مقصوراً كوكب معروف ‏"‏لتناوله رجال من هؤلاء‏"‏ أي الفرس بقرينة سلمان، وزاد أبو نعيم في آخره‏:‏ برقة قلوبهم‏.‏ وأخرجه من حديث سلمان وزاد فيه يتبعون سنتي ويكثرون الصلاة علي‏.‏ قال القرطبي‏:‏ أحسن ما قيل فيهم إنهم أبناء فارس بدليل هذا الحديث لناله رجال من هؤلاء، وقد ظهر ذلك بالعيان فإنهم ظهر فيهم الدين وكثر فيهم العلماء وكان وجودهم كذلك دليلاً من أدلة صدق صلى الله عليه وسلم فاختلف أهل النسب في أصل فارس فقيل إنهم ينتهي نسبهم إلى جيومرت وهو آدم، وقيل أنه من ولد يافث بن نوح، وقيل من ذرية لاوي بن سام بن نوح، وقيل هو فارس ابن ياسور بن سام، وقيل غير ذلك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والأول أشهر الأقوال عندهم والذي يليها أرجحها عند غيرهم‏.‏ وقد أطال هو الكلام في هذا المقام بما يتعلق بأهل فارس‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه‏)‏ أي من غير السند المذكور‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وثور بن زيد مدني وثور بن يزيد شامي‏)‏ يعني هما رجلان فثور بن زيد بالزاي في أوله مدني وثور بن يزيد بالتحتية في أوله شامي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشيم‏)‏ بالتصغير هو ابن بشير بن القاسم بن دينار السلمي ‏(‏أخبرنا حصين‏)‏ هو ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي ‏(‏عن أبي سفيان‏)‏ إسمه طلحة بن نافع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قدمت عير المدينة‏)‏ بكسر المهملة وسكون التحتية هي الإبل التي تحمل التجارة طعاماً كانت أو غيره‏.‏ وهي مؤنثة لا واحدة لها من لفظها ‏(‏فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي تسارعوا إليها ‏(‏حتى لم يبق‏)‏ أي مع النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏إلا إثني عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر‏)‏ قال الحافظ بعد ذكر عدة روايات ما محصله‏:‏ واتفقت هذه الروايات كلها على اثني عشر رجلاً إلا ما رواه علي بن أبي عاصم فقال إلا أربعين رجلاً‏.‏ أخرجه الدارقطني، وقال تفرد به علي بن أبي عاصم وهو ضعيف الحفظ وخالفه أصحاب حصين كلهم، وأما تسميتهم فوقع في رواية عند مسلم أن جابراً قال أنا فيهم‏.‏ وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أن سالماً مولى أبي حذيفة منهم، وروى العقيلي عن ابن عباس أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناساً من الأنصار وحكى السهيلي أن منهم أسد بن عمر‏.‏ وروى بسند منقطع أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال وابن مسعود، قال وفي رواية عمار بدل ابن مسعود‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ورواية العقيلي أقوى وأشبه بالصواب ‏(‏ونزلت هذه الاَية‏)‏ هذا ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة‏.‏ والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القدمين وما معهم، ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وكانت لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والسمن‏.‏ فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه وكان لهم لهو يضربونه فنزلت ‏{‏وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها‏}‏ أي تفرقوا وذهبوا إليها، قيل النكتة في قوله انفضوا إليها دون قوله إليهما أو إليه أن اللهو لم يكن مقصوداً لذته وإنما كان تبعاً للتجارة، وقيل التقدير‏:‏ وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهواً انفضوا إليه‏.‏ فحذف الثاني لدلالة الأول عليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1868- باب ومن سورة المنافقين

مدنية وهي إحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3435- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن إِسْرَائِيلَ عَن أَبي إِسْحَاقَ عَن زَيْدِ بنِ أرْقَمَ قالَ‏:‏ ‏"‏كُنْتُ مَعَ عَمّي فَسَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ أُبَيّ بنَ سَلُول يَقُولُ لأَصْحَابِهِ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله حَتّى يَنْفَضّوا ‏{‏وَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلى المَدِينَةِ ليُخْرِجَنّ الأَعَزّ مِنْهَا الأَذَلّ‏}‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمّي فَذَكَرَ ذَلِكَ عَمّي للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَانِي النبيّ صلى الله عليه وسلم فَحَدّثْتُهُ، فأَرْسَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عَبْدِ الله بنِ أُبَيّ وَأصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قالُوا، فَكَذّبَنِي رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصَدّقَه، فَأَصَابَنِي شَيْءٌ لَمْ يُصِبْنِي شَيْءٌ قَطّ مِثْلُهُ، فَجَلَسْتُ في البَيْتِ، فقالَ‏:‏ عَمّى مَا أرَدْتَ إِلاّ أنْ كَذّبَكَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَقَتَكَ، فأَنْزَلَ الله تَعَالَى ‏{‏إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ‏}‏ فَبَعَثَ إِليّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهَا ثُمّ قالَ‏:‏ إِنّ الله قَدّ صَدّقَكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3436- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عَن إِسْرَائِيلَ عَن السّدّيّ عَن أبي سَعد الأزْدِي، حدثنا زَيْدُ بنُ أرْقَمَ قالَ‏:‏ ‏"‏غَزَوْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مَعَنَا أُنَاسٌ مِنَ الأعْرَابِ فَكُنّا نَبْتَدِرُ المَاءَ وَكَانَ الأعْرَابُ يَسْبِقُونَا إِلَيْهِ فَسَبَقَ أعْرَابِيّ أَصْحَابَهُ فَسَبِقَ الأعْرَابِيّ فَيَمْلأُ الحَوْضَ ويَجْعَلُ حَوْلَهُ حِجَارَةً وَيَجْعَلُ النّطْعَ عَلَيْهِ حَتّى يَجِيءَ أصْحَابُهُ، قالَ‏:‏ فأَتَى رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ أَعْرَابِيّا فَأَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ لِتَشْرَبَ فَأَبَى أنْ يَدَعَه فانْتَزَعَ قِبَاضَ المَاءِ فَرَفَعَ الأَعْرَابيّ خَشَبَتهِ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ الأنْصَارِيّ فَشَجّهُ‏.‏ فَأَتَى عَبْدَ الله بنَ أُبَيّ رَأْسَ المُنَافِقِينَ فَأَخْبَرَهُ وَكانَ مِنْ أصْحَابِهِ، فَغَضِبَ عَبْدُ الله بنُ أُبَيّ ثُمّ قَالَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله حَتّى يَنْفَضّوا مِنْ حَوْلِهِ يَعْنِي الأَعْرَابَ‏.‏ وَكَانُوا يَحْضُرُونَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الطّعَامِ، فقَالَ عَبْدُ الله إذَا انْفَضّوا مِنْ عِنْدِ مُحمّدٍ فَأْتُوا مُحمّداً بالطّعَامِ فَلْيَأْكُلْ هُوَ وَمَنْ مَعْهُ، ثُمّ قالَ لأَصْحَابِهِ‏:‏ لَئِنْ رَجِعْنَا إلى المَدِينَةِ لِيُخْرِجنّ الأعَزّ مِنها الأَذَلّ‏.‏ قَالَ زَيْدٌ وَأنَا رِدْفُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْتُ عَبْدَ الله أُبَيّ فأخْبَرْتُ عَمّي فانْطَلَقَ فأخْبَرَ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأَرْسَلَ إلَيْهِ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَحَلَفَ وجَحَدَ‏.‏ قالَ‏:‏ فَصَدّقَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَكَذّبَني، قَالَ فَجَاءَ عَمّي إليّ فَقَالَ ما أَرَدْتَ إلاّ أن مَقَتَلُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَكَذّبَكَ والمُسْلِمُونَ، قالَ‏:‏ فَوَقَعَ عَلَيّ مِنَ الْهَمّ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ، قالَ‏:‏ فَبَيْنَمَا أنا أسِيرُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قَدْ خَفَقْتُ بِرَأْسِي مِنَ الهَمّ إذْ أَتانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَعَرَكَ أُذُنِي وضَحِكَ في وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرّنِي أنّ لِي بِهَا الْخُلْدَ في الدّنْيَا ثُمّ إِنّ أَبا بَكْرٍ لَحِقَنِي فقالَ‏:‏ ما قالَ لَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قُلْتُ مَا قالَ لِي شَيْئاً إِلاّ أَنّهُ عَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ في وَجْهِي‏.‏ فقالَ‏:‏ أَبْشِرْ، ثمّ لَحِقَنِي عُمَرُ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلِ قَوْلِي لأبي بَكْرٍ، فَلَمّا أصْبَحْنَا قَرَأَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم سُورَةَ المُنَافِقِينَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3437- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُحمّدُ بنُ أَبي عَدِيّ‏.‏ أنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَن الْحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ كَعْبٍ القُرَظِيّ مُنْذ أَرْبَعِينَ سَنَةً يُحَدّثُ عَن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه أَنّ عَبْدَ الله بنَ أُبَيّ قالَ‏:‏ في غَزْوَةٍ تَبُوكَ‏:‏ ‏"‏‏{‏لَئِنْ رَجِعْنَا إِلى المَدِينَةِ لَيُخْرجَنّ الأعزّ مِنْهَا الأَذَلّ‏}‏‏.‏ قالَ‏:‏ فأتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَحَلَفَ ما قَالَهُ، فَلاَمَنِي قَوْمِي وقالُوا مَا أَرَدْتَ إلى هَذِهِ، فأتَيْتُ البَيْتَ وَنِمْتُ كَئِيباً حَزِيناً فَأتَانِي النبيّ صلى الله عليه وسلم أَوْ أتَيْتُهُ فقالَ‏:‏ إِنّ الله قَدْ صَدّقَكَ‏.‏ قالَ‏:‏ فَنَزَلَتْ هذِهِ الاَيةُ‏:‏ ‏{‏هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى يَنْفَضّوا‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3438- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ‏:‏ ‏"‏كُنّا في غَزَاةٍ قالَ‏:‏ سُفْيَانُ يَرَوْنَ أَنّهَا غَزْوَةُ بَنِي المُصْطلِقِ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فقالَ المُهَاجِرِيّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، وقالَ الأَنْصَارِيّ يا لَلأنْصَار، فَسَمِعَ ذَلِكَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ فَقَالَ مَا بالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ‏؟‏ قالُوا رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم دَعُوها فإِنّهَا مُنْتِنَةٌ‏.‏ فَسَمِعَ ذَلِكَ عَبْدُ الله بنُ أُبَيّ بنِ سَلُولَ‏.‏ فقالَ‏:‏ أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا‏؟‏ وَالله ‏{‏لَئِنْ رَجِعْنَا إِلَى المَدِينَةِ ليُخْرِجَنّ الأَعَزّ مِنْهَا الأذَلّ‏}‏ فقالَ عُمَرُ‏:‏ يا رسُولَ الله دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ دَعْهُ لاَ يَتَحَدّثُ النّاسُ أنّ مُحمداً يَقْتُلُ أصْحَابَهُ‏.‏ وقالَ غَيْرُ عَمْرٍو‏:‏ فقالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الله‏:‏ والله لا تَنْفَلِبْ حَتّى تُقِرّ أَنّكَ الذّلِيلُ ورسولَ الله صلى الله عليه وسلم العَزِيزُ فَفَعَلَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3439- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ أخبرنا أَبُو جَنَابٍ الكَلْبِيّ عَن الضّحّاكِ بنِ مُزَاحِمٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ كَانَ لَهُ مالٌ يُبَلّغُهُ حَجّ بَيْتِ رَبّهِ أوْ تَجِبُ عَلَيْه فِيهِ الزَكَاةُ فَلَمْ يَفعلْ سَأل الرّجْعَةَ عِنْدَ المَوْتِ، فقالَ رَجُلٌ‏:‏ يَا ابنَ عَبّاسٍ اتّقِ الله فإِنّمَا يَسْأَلُ الرّجْعَةَ الكُفّارُ، فقالَ‏:‏ سَأتْلُو عَلَيْكَ بِذَلِكَ قُرْآناً ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَولاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ‏}‏ ‏{‏وَأَنْفِقُوا مِن مّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبّ لَوْلاَ أَخّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فأَصّدّقَ‏}‏- إلى قَوْلِهِ- ‏{‏والله خَبيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ قالَ‏:‏ فَمَا يُوجِبُ الزّكاةَ‏؟‏ قالَ‏:‏ إذَا بَلَغَ المَالُ مِائَتَي درهم فَصَاعِداً، قالَ‏:‏ فَمَا يُوجِبُ الْحَجّ‏؟‏ قالَ‏:‏ الزّادُ والبَعِيرُ‏"‏‏.‏

3440- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن الثّوْرِيّ عَن يَحْيَى بنِ أبي حَيّةَ عَن الضّحّاكِ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ‏.‏ وقال‏:‏ هَكَذَا رَوَى سفيان بنُ عُيَيْنَةَ وغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثِ عَن أَبي جَنَابٍ عَن الضّحّاكِ عَن ابنِ عَباسٍ قَوْلَهُ ولَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَذَا أصَحّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرّزّاقِ‏.‏ وأَبُو جَنَابٍ القَصّابُ اسْمُهُ يَحْيَى بنُ أبي حَيّةَ وَلَيْسَ هُوَ بالْقَوِيّ في الْحَدِيثِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبيد الله بن موسى‏)‏ العبسي الكوفي ‏(‏عن إسرائيل‏)‏ هو ابن يونس ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال كنت مع عمي‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وقع عند الطبراني وابن مردويه أن المراد بعمه سعد بن عبادة وليس عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه الخزرج وعم زيد بن أرقم الحقيقي ثابت بن قيس له صحبة وعمه زوج أمه عبد الله بن رواحة خزرجي أيضاً انتهى ‏(‏فسمعت عبد الله بن أبي‏)‏ بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية منونا ‏(‏ابن سلول‏)‏ بفتح المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها لام ممنوعاً من الصرف للعلمية والتأنيث وهو إسم امرأة وهي والدة عبد الله المذكور وهي خزاعية، وأما هو فمن الخزرج أحد قبيلتي الأنصار وابن سلول يقرأ بالنصب لأنه صفة عبد الله لا صفة أبيه، وعبد الله بن أبي هذا هو رأس المنافقين ‏(‏لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا‏)‏ أي يتفرقوا من حوله صلى الله عليه وسلم ‏{‏ولئن رجعنا إلى المدينة الخ‏}‏ أي وسمعته يقول‏:‏ لئن رجعنا الخ وفي رواية للبخاري وقال أيضاً لئن رجعنا ‏{‏ليخرجن الأعز‏}‏ يريد نفسه ‏{‏منها الأذل‏}‏ يريد الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه ‏(‏فذكرت ذلك‏)‏ أي الذي قاله عبد الله بن أبي ‏(‏فحلفوا‏)‏ أي سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فحلفوا أي عبد الله بن أبي وأصحابه ‏(‏ما قالوا‏)‏ ما نافية أي لم يقولوا ذلك، ووقع في رواية فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي فسأله فحلف بالله ما قال من ذلك شيئاً ‏(‏فكذبني‏)‏ من التكذيب ‏(‏وصدقه‏)‏ من التصديق والضمير المنصوب لعبد الله بن أبي ‏(‏فأصابني شيء‏)‏ أي من الهم ‏(‏لم يصبني شيء قط مثله‏)‏ أي في الزمن الماضي ‏(‏فجلست في البيت‏)‏ وفي رواية حتى جلست في البيت مخافة إذا رآني الناس أن يقولوا كذبت ‏(‏ما أردت إلا أن كذبك‏)‏ بتشديد الذال المعجمة، وفي الرواية الاَتية‏:‏ ما أردت إلى أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العيني أي ما قصدت منتهياً إليه أي ما حملك عليه ‏(‏ومقتك‏)‏ من المقت أي أبغضك ‏"‏إن الله قد صدقك‏"‏ أي يا زيد بن أرقم، قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن السدي‏)‏ إسمه إسماعيل بن عبد الرحمن ‏(‏عن أبي سعيد الأزدي‏)‏ ويقال له أبو سعد قال في التقريب أبو سعد الأزدي الكوفي قاري الأزد ويقال أبو سعيد مقبول من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكنا نبتدر الماء‏)‏ أي نسارع إليه ‏(‏يسبقونا‏)‏ بتشديد النون ‏(‏فسبق أعرابي‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة بصيغة الماضي ولا يستقيم المعنى إلا أن يكون بمعنى يسبق ‏(‏فيسبق الأعرابي فيملأ الحوض‏)‏ هذا بيان لما يصنعه الأعرابي السابق بعد سبقه إلى الماء ويجعل حوله، أي حول الحوض ‏(‏ويجعل النطع عليه‏)‏ أي على الحوض، والنطع بالكسر وبالفتح وبالتحريك وكعنب بساط من الأديم ‏(‏فأبى‏)‏ أي الأعرابي ‏(‏أن يدعه‏)‏ بفتح الدال أن يترك الأنصاري ‏(‏فانتزع قباض الماء‏)‏ بكسر القاف والمراد به الماء ويمسك من الحجارة وغيرها، والمعنى أن الرجل الأنصاري الذي أرخى زمام ناقته لتشرب الماء في الحوض نزع الحجارة التي جعلها الأعرابي حول الحوض ليمسك بها الماء ‏(‏فرفع الأعرابي خشبة‏)‏ أي فغضب الأعرابي بانتزاع القباض فرفع الخ ‏(‏بها‏)‏ أي بالخشبة ‏(‏فشجه‏)‏ من الشج وهو ضرب الرأس خاصة وجرحه وشقه من باب نصر وضرب ‏(‏فأتى‏)‏ أي الأنصاري المشجوج ‏(‏رأس المنافقين‏)‏ أي رئيسهم بدل من عبد الله ‏(‏وكان‏)‏ أي الأنصاري ‏(‏من أصحابه‏)‏ أي من أصحاب عبد الله بن أبي ‏(‏حتى ينفضوا من حوله‏)‏ يعني حتى يتفرق الأعراب ويذهبوا من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏يعني الأعراب‏)‏ هذا بيان من الراوي للضمير في ينفضوا ‏(‏وكانوا‏)‏ أي الأعراب ‏(‏ثم قال‏)‏ أي عبد الله ‏(‏قال زيد‏)‏ أي ابن أرقم ‏(‏وأنا ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ الردف بكسر الراء وسكون الدال المهملتين هو الراكب خلف الراكب ‏(‏فسمعت عبد الله‏)‏ أي مقالته المذكورة ‏(‏فأخبرت عمي‏)‏ أي بما سمعت من عبد الله ‏(‏فانطلق فأخبر‏)‏ أي عمي ‏(‏فارسل إليه‏)‏ أي إلى عبد الله ‏(‏قال فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني‏)‏ أي قال زيد بن أرقم فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته فأرسل إلى عبد الله بن أبي فحلف وجحد فصدقه وكذبني كما في الرواية المتقدمة ‏(‏قد خفقت برأسي من الهم‏)‏ يقال خفق الرجل إذا حرك رأسه وهو ناعس والمعنى نكست من شدة الهم لا من النعاس ‏(‏فعرك أذني‏)‏ أي دلكها ‏(‏أن لي بها‏)‏ أي بضحكة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي ‏(‏الخلد في الدنيا‏)‏ بالنصب على أنه إسم إن، وفي بعض النسخ الخلد في الجنة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ انفرد بإخراجه الترمذي وهكذا رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن عبيد الله بن موسى به وزاد بعد قوله سورة المنافقين‏:‏ ‏{‏إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله‏}‏ حتى بلغ ‏{‏هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضوا‏}‏- حتى بلغ- ‏{‏ليخرجن الأعز منها الأذل‏}‏ انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال في غزوة تبوك‏)‏ كذا في هذه الرواية وكذا وقع في مرسل سعيد ابن جبير عند ابن أبي حاتم‏.‏ قال الحافظ ابن كثير بعد ذكر هذا المرسل‏:‏ قوله‏:‏ إن ذلك كان في غزوة تبوك فيه نظر بل ليس بجيد فإن عبد الله بن أبي بن سلول لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك كان في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ والذي عليه أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق ‏(‏فلامني قومي‏)‏ وفي رواية البخاري فلامني الأنصار ‏(‏ما أردت إلى هذه‏)‏ يعني ما حملك على هذه الفعلة ‏(‏فأتيت البيت‏)‏ وفي رواية البخاري فرجعت إلى المنزل ‏(‏ونمت كئيباً‏)‏ من الكآبة بالمد وهو سوء الحال والانكسار من الحزن وقد كئب من باب سلم فهو كئيب ‏(‏فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم أو أتيته‏)‏ شك من الراوي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار‏)‏ قال في القاموس‏:‏ كسعه كمنعه ضرب دبره بيده أو بصدر قدمه‏.‏ والرجل المهاجري هو جهجاه بن قيس ويقال ابن سعيد الغفاري وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه، والرجل الأنصاري هو سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار ‏(‏يا للمهاجرين‏)‏ بفتح اللام وهي للاستغاثة أي أغيثوني وكذا قول الاَخر يا للأنصار ‏"‏ما بال دعوى الجاهلية‏"‏ أي ما شأنها وهو في الحقيقة إنكار ومنع عن قول يا لفلان ونحوه ‏"‏دعوها‏"‏ أي اتركوا هذه المقالة وهي دعوى الجاهلية ‏"‏فإنها منتنة‏"‏ بضم الميم وسكون النون وكسر الفوقية من النتن أي أنها كلمة قبيحة خبيثة وكذا ثبتت في بعض الروايات ‏(‏أو قد فعلوها‏)‏ بواو العطف بين همزة الاستفهام والفعل والمعطوف عليه مقدر‏.‏ أي أوقعت هذه وقد فعلوها‏؟‏ وفي رواية البخاري قد فعلوها‏.‏ قال الحافظ هو استفهام بحذف الأداة أي أفعلوها أي الأثرة شركناهم فيما نحن فيه فأرادوا الاستبداد به علينا‏.‏ وفي مرسل قتادة‏:‏ فقال رجل منهم عظيم النفاق‏.‏ وما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك ‏{‏لا يتحدث‏}‏ برفع يتحدث على الاستئناف ويجوز الكسر على أنه جواب قوله دعه‏:‏ ‏(‏أن محمداً يقتل أصحابه‏)‏ أي أتباعه ‏(‏وقال غير عمرو‏)‏ أي غير عمرو بن دينار ‏(‏فقال له‏)‏ أي لعبد الله بن أبي ‏(‏لا تنقلب‏)‏ أي لا ترجع ‏(‏حتى تقر‏)‏ من الإقرار أي حتى تعترف ‏(‏ففعل‏)‏ أي فأقر عبد الله بن أبي بأنه الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو جناب الكلبي‏)‏ بفتح الجيم وخفة النون وآخره موحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كان له مال‏)‏ كلمة من شرطية والجزاء قوله يسأل الرجعة ‏(‏يبلغه حج بيت ربه‏)‏ صفة مال ‏(‏أو يجب عليه فيه‏)‏ ضمير عليه راجع إلى من وضمير فيه راجع إلى مال ‏(‏فلم يفعل‏)‏ عطف على قوله كان له مال أي فلم يحج أو لم يؤد الزكاة ‏(‏يسأل‏)‏ بالجزم ‏(‏الرجعة‏)‏ أي يسأل الله أن يرجعه إلى الدنيا ليحج أو ليؤدي زكاة ماله ‏(‏اتق الله‏)‏ أي فيما تقول‏:‏ ‏(‏فإنما يسأل الرجعة الكفار‏)‏ أي كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلى أعمل صالحاً فيما تركت‏}‏ الاَية ‏(‏فقال‏)‏ أي ابن عباس ‏(‏سأتلو‏)‏ أي سأقرأ ‏(‏بذلك‏)‏ أي بما قلت ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم‏}‏ أي لا تشغلكم ‏{‏أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله‏}‏ أي عن الصلوات الخمس، والمعنى لا تشغلكم أموالكم ولا أولادكم كما شغلت المنافقين عن ذكر الله ‏{‏ومن يفعل ذلك‏}‏ أي ومن شغله ماله وولده عن ذكر الله ‏{‏فأولئك هم الخاسرون‏}‏ أي في تجارتهم حيث آثروا الفاني على الباقي ‏{‏وأنفقوا مما رزقناكم‏}‏ قال ابن عباس يريد زكاة الأموال ‏{‏من قبل أن يأتي أحدكم الموت‏}‏ أي دلائل الموت ومقدماته وعلاماته فيسأل الرجعة ‏{‏فيقول رب لولا أخرتني‏}‏ أي هلا أخرتني وقيل لو أخرت أجلي ‏{‏إلى أجل قريب فأصدق‏}‏ أي فأزكي مالي، وأصل أصدق أتصدق فأبدلت التاء بالصاد وأدغمت الصاد في الضاد وتمام الاَية ‏{‏وأكن‏}‏ بالجزم عطفاً على موضع فأصدق كأنه قيل إن أخرتني أصدق وأكن وقرئ وأكون بالنصب عطفاً على اللفظ ‏{‏من الصالحين ولن يؤخر الله نفساً‏}‏ عن الموت ‏{‏إذ جاء أجلها‏}‏ المكتوب في اللوح المحفوظ ‏{‏والله خبير بما تعملون‏}‏ يعني أنه لورد إلى الدنيا وأجيب إلى ما سأل ما حج وما زكى ‏(‏قال‏)‏ أي الرجل ‏(‏إذا بلغ المال مائتين‏)‏ أي من الدراهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أصح من رواية عبد الرزاق‏)‏ أي هذا الحديث الموقوف أصح من المرفوع ‏(‏وليس هو بالقوى‏)‏ وقال الحافظ ابن كثير‏:‏ رواية الضحاك عن ابن عباس فيها انقطاع‏.‏

1869- باب ومن سورة التغابن

مدنية في قول الأكثر وقيل هي مكية إلا ثلاث آيات من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم‏}‏ إلى آخر ثلاث آيات، وهي ثماني عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3441- حدثنا محمدُ بنُ يَحْيى، أخبرنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا إسْرَائِيلُ حدثنا سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَن هَذِهِ الاَيةِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأوْلاَدِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ‏}‏ قالَ‏:‏ ‏"‏هَؤُلاَءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أهْلِ مَكّةَ وَأَرَادُوا أنْ يَأْتُوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أزْوَاجُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ أنْ يَدَعُوهُمْ أنْ يَأْتُوا رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمّا أَتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأوا النّاسَ قَدْ فَقَهُوا في الدّينِ هَمّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ فأَنْزَلَ الله‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إنّ مِنْ أزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّا لَكُمْ فاحْذَرُوهُمْ‏}‏‏"‏ الاَيةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يحيى‏)‏ الظاهر أنه الإمام الذهلي ‏(‏أخبرنا محمد بن يوسف‏)‏ الضبي مولاهم الفريابي ‏(‏أخبرنا إسرائيل‏)‏ هو ابن يونس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسأله رجل‏)‏ الواو للحال ‏(‏عن هذه الاَية‏)‏ أي عن تفسيرها ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم‏)‏ أي أن تطيعوهم في التخلف عن الخير كالجهاد والهجرة فإن سبب نزول الاَية الإطاعة في ذلك ‏(‏قال‏)‏ أي ابن عباس ‏(‏أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي مهاجرين من مكة إلى المدينة ‏(‏أن يدعوهم‏)‏ أي يتركوهم ‏(‏رأوا الناس‏)‏ أي الذين سبقوهم بالهجرة ‏(‏هموا‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة وفي رواية ابن أبي حاتم فهموا بالفاء وهو الظاهر أي فأرادوا ‏(‏أن يعاقبوهم‏)‏ أي يعذبوا أزواجهم وأولادهم الذين منعوهم عن الهجرة ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم‏}‏ أي إن من الأزواج أزواجاً والأولاد أولاداً يعادونكم ويشغلونكم عن الخير وعن طاعة الله أو يخاصمونكم في أمر الدين والدنيا، ويدخل في ذلك سبب النزول دخولاً أولياً ‏{‏فاحذروهم‏}‏ أي أن تطيعوهم في التخلف عن الخير ‏(‏الاَية‏)‏ بقية الاَية ‏{‏وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم‏}‏ قال الخازن‏:‏ هذا فيمن أقام على الأهل والولد ولم يهاجر ثم هاجر فرأى الذين قد سبقوه بالهجرة قد فقهوا في الدين فهم أن يعاقب زوجته وولده الذين ثبطوه ومنعوه عن الهجرة لما ألحقوا به ولا ينفق عليهم ولا يصيبهم بخير فأمره الله بالعفو والصفح عنهم انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير والطبراني‏.‏

1870- باب ومن سورة التحريم

مدنية وهي اثنتا عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3442- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن معْمَرٍ عَن الزّهْرِيّ عَن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي ثَوْرٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابنَ عَبّاسٍ رضي الله عنهما يقُولُ‏:‏ ‏"‏لَمْ أَزَلْ حَرِيصاً أنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَن المَرْأتَيْنِ مِنْ أزْوَاجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم اللّتَيْنِ قالَ الله عز وجلّ‏{‏إنْ تَتُوبَا إلى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبكُمَا‏}‏ حَتّى حَجّ عُمَرُ وَحَجَجْتُ مَعَهُ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ مِنَ الإدَاوَةِ فَتَوَضّأَ فَقُلْتُ يَا أمِيرَ المُؤْمِنينَ من المَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم اللّتَانِ قالَ الله ‏{‏إنْ تَتُوبَا إِلى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه‏}‏ فقالَ لِي‏:‏ وَا عجَبَاً لَكَ يا ابْنَ عَبْاسٍ‏.‏ قالَ الزّهْرِيّ‏:‏ وَكَرِهَ والله مَا سَأَلَهُ عَنْهُ ولَمْ يَكْتُمْهُ‏.‏ فقالَ لِي‏:‏ هِيَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، قالَ‏:‏ ثُمّ أنْشَأَ يُحَدّثُنِي الحدِيثَ فقالَ‏:‏ كُنّا معْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النّسَاءَ فَلَمّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْماً تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَتَغَضّبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْماً فإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فقالَتْ‏:‏ ما تُنْكِرُ مِنْ ذَلِكَ فَوَالله إنّ أزْوَاجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ وتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنّ اليَوْمَ إِلى اللّيْلِ، قالَ‏:‏ فَقُلْتُ في نَفْسِي قَدْ خَابَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْهُنّ وَخسِرَتْ قالَ، وكَانَ مَنْزِلي بالعَوَالِي في بَنِي أُمَيّةَ وَكَانَ لي جَارٌ مِنَ الأنْصَارِ كُنّا نَتَنَاوَبُ النّزُولَ إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ فَيَنْزِلُ يَوْماً ويَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ‏.‏ وَأَنْزِلُ يَوْماً فَآتِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، قالَ‏:‏ فَكُنّا نُحَدّثُ أَنّ غَسّانَ تُنْعِلُ الخيْلَ لِتَغْزُونَا، قالَ‏:‏ فَجَاءَنِي يَوْماً عِشَاءً فَضَرَبَ عَلَيّ البَابَ فَخَرَجْتُ إلَيْه فقالَ‏:‏ حَدَثَ أمْرٌ عَظيمٌ، قُلْتُ أَجَاءَتْ غَسّانُ‏؟‏ قالَ‏:‏ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ طَلّقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ، قالَ‏:‏ فَقُلْتُ في نَفْسِي قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ قَدْ كُنْتُ أظُنّ هذَا كَائِناً، قالَ‏:‏ فَلَمّا صَلّيْتُ الصّبْحَ شَدَدْتُ عَلَيّ ثِيَابي ثُمّ انْطَلَقْتُ حَتّى دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فإِذَا هِيَ تَبْكِي، فقُلْتُ أَطَلّقَكُنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قالتْ‏:‏ لا أَدْرِي هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ في هَذِهِ المَشْرُبَةِ، قالَ‏:‏ فانْطَلقْتُ فأَتَيْتُ غُلاَماً أَسْوَدَ فَقلت‏:‏ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، قالَ‏:‏ فَدَخَلَ ثُمّ خَرَجَ إليّ‏:‏ قالَ‏:‏ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً، قالَ‏:‏ فانْطَلَقْتُ إِلى المَسْجِدِ‏.‏ فإِذَا حَوْلَ المِنْبَرِ نَفَرٌ يَبْكُونَ فَجَلَسْتُ إلَيْهِمْ ثُمّ غَلَبَنِي ما أَجِدُ فأتَيْتُ الغُلاَمَ فَقُلْتُ اسْتَأْذِنْ لِعُمرَ‏.‏ فَدَخَلَ ثُمّ خَرَجَ إليّ‏.‏ فقالَ‏:‏ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلمْ يَقُلْ شَيْئاً، قال‏:‏ فانْطَلَقْتُ إلى المَسْجِدِ أيْضاً فَجَلَسْتُ ثُمّ غَلَبَنِي مَا أجِدُ فأتَيْتُ الغُلاَمَ فَقُلْتُ اسْتَأَذِنْ لِعُمَرَ‏.‏ فَدَخَلَ ثُمّ خَرَجَ إليّ فقالَ‏:‏ قد ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً‏.‏ قَالَ فَوَلّيْتُ مُنْطَلِقاً فإِذَا الغُلامُ يَدْعُونِي‏.‏ فقالَ‏:‏ ادْخُلْ فَقَدْ أذِنَ لَكَ قالَ‏:‏ فَدَخْلتُ فإِذَا النبيّ صلى الله عليه وسلم مُتّكِئٌ عَلَى رِمْلِ حَصِيرٍ فَرَأَيْتُ أَثَرَهُ في جَنبهِ فقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أطَلّقْتَ نِسَاءَكَ‏؟‏ قالَ‏:‏ لاَ، قُلْتُ الله أكْبَرُ‏.‏ لَقد رَأَيْتنَا يَا رَسُولَ الله ونَحْنُ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النّسَاءِ فَلَمّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ وَجدْنَا قَوْماً تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤنَا يَتَعَلّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَتَغَضّبْتُ يَوْماً عَلَى امْرَأتِي فإذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فأنْكَرْتُ ذَلِكَ فقالتْ ما تُنْكِرُ فَوَالله إنّ أزْواجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنّ اليَوْمَ إِلى اللّيْلِ، قالَ‏:‏ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ أتُرَاجِعِينَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قالتْ‏:‏ نَعَمْ وَتَهْجُرُهُ إحْدَانَا الْيَوْمَ إِلى اللّيْلِ، قالَ‏:‏ فَقُلْتُ قَدْ خَابَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْكُنّ وَخَسِرَتْ‏.‏ أَتَأْمَنُ إحْدَاكُنّ أَنْ يَغْضَبَ الله عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم فإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ‏؟‏ فَتَبسّمَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قالَ‏:‏ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ‏:‏ لا تُرَاجِعي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ولاَ تَسْألِيهِ شَيْئاً وَسَلِينِي مَا بَدا لَكِ وَلا يُغَرّنّكِ إنْ كانَتْ صَاحِبَتُكِ أوْسَمَ مِنْكِ وَأحَبّ إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قالَ‏:‏ فَتَبَسّمَ أُخْرَى، فقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَسْتَأْنِسُ‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قالَ‏:‏ فَرَفْعتُ رَأْسِي فمَا رأَيْتُ في البَيْتِ إِلاّ أُهُبَةً ثَلاَثَةً، قال‏:‏ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أُدْعُ الله أنْ يُوَسّعَ عَلَى أُمّتِكَ فَقَدْ وَسّعَ عَلَى فَارِسَ والرّومِ وَهُمْ لا يَعْبُدُونَهُ‏.‏ فَاسْتَوَى جَالِساً فقالَ‏:‏ أَو فِي شَك أنْتَ يا ابْنَ الخَطّابِ‏؟‏ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجّلَتْ لَهُمْ طَيّبَاتُهُمْ في الحَيَاةِ الدّنْيَا‏.‏ قالَ‏:‏ وَكانَ أقْسَمَ أَنْ لا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْراً فعَاتَبَهُ الله في ذَلِكَ فَجَعَل لَهُ كَفّارَةَ اليَمِينِ‏.‏ قالَ‏:‏ الزّهْرِيّ فأخْبَرَني عُرْوَةُ عَن عَائِشةَ قَالتْ فَلَمّا مَضَتْ تِسْعٌ وعِشْرُونَ دَخَلَ عَلَيّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَدَأ بِي فقالَ‏:‏ يَا عَائِشَةُ إنّي ذَاكِرٌ لَكِ شَيْئاً فلاَ تَعْجَلِي حَتّى تَسْتَأْمِرِي أبَوَيْكِ، قالتْ‏:‏ ثُمّ قَرَأ هَذِهِ الاَيةَ‏:‏ ‏{‏يَا ايّهَا النبيّ قُلْ لأِزْوَاجِكَ‏}‏ الاَيةَ‏.‏ قَالتْ عَلِمَ والله أنّ أَبَوَيّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قالتْ‏:‏ فَقُلْتُ أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَويّ فإنّي أُرِيدُ الله وَرَسُولَهُ والدّارَ الاَخِرَةَ‏.‏ قالَ مَعْمَرٌ‏:‏ فأخْبَرَنِي أَيّوبُ أنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ الله لا تُخْبِرْ أَزْوَاجَكَ أَنّي اخْتَرْتُكَ‏.‏ فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّمَا بَعَثَنِي الله مُبَلّغاً وَلَمْ يَبْعَثْنِي مُعنتاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن ابنِ عَبّاسٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لم أزل حريصاً أن أسأل عمر‏)‏ أي على أن أسأله، وفي رواية البخاري في التفسير مكثت سنة أريد أن أسأل عمر عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له ‏(‏اللتين قال الله‏)‏ أي في حقهما ‏{‏إن تتوبا إلى الله‏}‏ خطاباً لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما وجواب الشرط محذوف أي إن تتوبا إلى الله فهو الواجب ودل على المحذوف قوله‏:‏ ‏{‏فقد صغت قلوبكما‏}‏ أي مالت عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه ووجد منكما ما يوجب التوبة، وهو أنهما أحبتا ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏حتى حج عمر‏)‏ أي خرج حاجاً، وفي رواية البخاري في التفسير‏:‏ حتى خرج حاجاً فخرجت معه فلما رجعت وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له ‏(‏واعجباً لك‏)‏ قال الحافظ‏:‏ يجوز في عجباً التنوين وعدمه‏.‏ قال ابن مالك ‏"‏وا‏"‏ في قوله واعجباً إن كان منوناً فهو إسم فعل بمعنى أعجب ومثله واهاً و وى وقوله بعده عجباً جيء تعجباً وتوكيداً وإن كان بغير تنوين فالأصل فيه واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة فصارت الياء ألفاً كقولهم يا أسفا ويا حسرتا وفيه شاهد لجواز استعمال ‏"‏وا‏"‏ في منادى غير مندوب وهو مذهب المبرد وهو مذهب صحيح‏.‏ قال وتعجب عمر من ابن عباس مع شهرته بعلم التفسير كيف خفي عليه هذا القدر مع شهرته وعظمته في نفس عمر وتقديمه في العلم على غيره ومع ما كان ابن عباس مشهوراً به من الحرص على طلب العلم ومداخلة كبار الصحابة وأمهات المؤمنين فيه، وتعجب من حرصه على طلب فنون التفسير حتى معرفة المبهم ‏(‏قال الزهري وكره والله ما سأله عنه ولم يكتمه‏)‏ قال الحافظ‏:‏ استبعد القرطبي ما فهمه الزهري ولا بعد فيه ‏(‏هي عائشة وحفصة‏)‏ وفي رواية البخاري في النكاح هما عائشة وحفصة ‏(‏ثم أنشأ‏)‏ أي شرع عمر ‏(‏يحدثني الحديث‏)‏ أي القصة التي كانت سبب نزول الاَية المسئول عنها ‏(‏معشر قريش‏)‏ منصوب على الاختصاص ‏(‏نغلب النساء‏)‏ أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا بخلاف الأنصار فكانوا بالعكس من ذلك ‏(‏فطفق‏)‏ بكسر الفاء وقد تفتح أي جعل وأخذ ‏(‏يتعلمن من نسائهم‏)‏ وفي رواية البخاري يأخذن من أدب نساء الأنصار قال الحافظ‏.‏ أي من سيرتهن وطريقتهن ‏(‏فإذا هي تراجعني‏)‏ من المراجعة أي تراددني في القول وتناظرني فيه ‏(‏فقالت ما تنكر ذلك‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ قالت ولم تنكر أن أراجعك ‏(‏وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل‏)‏ أي من أول النهار إلى أن يدخل الليل ‏(‏قد خابت‏)‏ من الخيبة وهي الحرمان والخسران ‏(‏وكان منزلي بالعوالي‏)‏ جمع عالية وهي قرى بقرب المدينة مما يلي المشرق وكانت منازل الأوس ‏(‏في بني أمية‏)‏ أي ناحية بني أمية البقعة بإسم من نزلها ‏(‏وكان لي جار من الأنصار‏)‏ إسمه أوس بن خولي بن عبد الله بن الحرث الأنصاري أو عتبان بن مالك والأول هو الراجح لأنه منصوص عليه عند ابن سعد والثاني استنبطه ابن بشكوال من المواخاة بينهما، وما ثبت بالنص مقدم قاله القسطلاني ‏(‏كنا نتناوب النزل‏)‏ أي من العوالي أي كنا نجعله نوبا ‏(‏فينزل‏)‏ أي جاري الأنصاري ‏(‏ويأتيني بخبر الوحي وغيره‏)‏ أي من الحوادث الكائنة عند النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي رواية ابن سعد‏:‏ لا يسمع شيئاً إلا حدثه به ولا يسمع عمر شيئاً إلا حدثه به ‏(‏فكنا نحدث‏)‏ وفي رواية مسلم فكنا نتحدث ‏(‏أن غسان‏)‏ بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة غير منصرف أي قبيلة غسان وملكهم في ذلك الوقت الحارث بن أبي شمر وهم كانوا بالشام ‏(‏تنعل الخيل‏)‏ بضم التاء من الإنعال يقال نعلت وانتعلت إذا لبست النعل وأنعلت الخيل إذا ألبستها وهو كناية عن استعدادهم للقتال مع أهل المدينة ‏(‏قال‏)‏ أي عمر ‏(‏فجاءني‏)‏ أي جاري ‏(‏فضرب على الباب‏)‏ أي ضربا شديداً كما في رواية البخاري ‏(‏قال أعظم من ذلك‏)‏ أي بالنسبة إلى عمر لكون حفصة بنته ‏(‏طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه‏)‏ إنما وقع الجرم بالطلاق لمخالفة العادة بالاعتزال فظن الطلاق ‏(‏قد كنت أظن هذا كائناً‏)‏ لما كان تقدم له من أن مراجعتهن قد تفضي إلى الغضب المفضي إلى الفرقة ‏(‏شددت علي‏)‏ بتشديد الياء ‏(‏ثيابي‏)‏ فيه استحباب التجمل بالثوب والعمامة ونحوهما عند لقاء الأئمة والكبار احتراماً لهم ‏(‏في هذه المشربة‏)‏ بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها وهي الغرفة ‏(‏قال فانطلقت‏)‏ أي فخرجت من عند حفصة ‏(‏فأتيت غلاماً أسود‏)‏ وفي رواية البخاري في التفسير‏:‏ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة له يرقى عليها بعجلة وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس الدرجة‏.‏ قال الحافظ إسم هذا الغلام رباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة سماه سماك في روايته ‏(‏ثم غلبني ما أجد‏)‏ أي من شغل قلبه بما بلغه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه‏.‏ وأن ذلك لا يكون إلا عن غضب منه ولاحتمال صحة ما أشيع من تطليق نسائه ومن جملتهن حفصة بنت عمر، فتنقطع الوصلة بينهما وفي ذلك من المشقة عليه ما لا يخفى ‏(‏متكئ على رمل حصير‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ مضطجع على رمال حصير‏.‏

قال الحافظ بكسر الراء وقد تضم وفي رواية معمر على رمل حصير بسكون الميم والمراد به النسج تقول رملت الحصير وأرملته إذا نسجته وحصير مرمول أي منسوج‏.‏ والمراد هنا أن سريره كان مرمولاً بما يرمل به الحصير، ووقع في رواية أخرى على رمال سرير، ووقع في رواية سماك على حصير وقد أثر الحصير في جنبه‏.‏ وكأنه أطلق عليه حصيراً تغليباً ‏(‏قلت الله أكبر‏)‏ قال الكرماني لما ظن الأنصاري أن الاعتزال طلاق أو ناشيء عن طلاق فأخبر عمر بوقوع الطلاق جازماً به، فلما استفسر عمر عن ذلك فلم يجد له حقيقة كبر تعجباً من ذلك انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويحتمل أن يكون كبر الله حامداً له على ما أنعم به عليه من عدم وقوع الطلاق ‏(‏وجدنا قوماً‏)‏ أي الأنصار ‏(‏فقلت لحفصة‏)‏ بدأ بها لمكانتها منه ‏(‏قالت‏)‏ أي حفصة ‏(‏نعم‏)‏ أي تراجعه ‏(‏لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي لا ترادديه في الكلام ولا تردي عليه قوله‏:‏ ‏(‏وسليني ما بدالك‏)‏ أي ما ظهر لك ‏(‏ولا يغرنك‏)‏ بتشديد الراء والنون ‏(‏أن كانت‏)‏ بفتح الهمزة ‏(‏صاحبتك‏)‏ أي ضرتك ‏(‏أوسم‏)‏ من الوسامة وهي الحسن والجمال أي أحسن وأجمل‏.‏ وفي رواية البخاري‏:‏ أوضا من الوضاء وهو الحسن ‏(‏وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ المعنى لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فلا يؤاخذها بذلك فإنها تدل بجمالها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة فلا يكون لك من الإدلال مثل الذي لها ‏(‏فتبسم‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أخرى‏)‏ أي تبسمة أخرى ‏(‏فقلت يا رسول الله أستأنس‏)‏ بحذف همزة الاستفهام أي انبسط في الحديث واستأذن عمر في ذلك لقرينة الحال التي كان فيها لعلمه بأن بنته كانت السبب في ذلك فخشي أن يلحقه شيء من المعتبة فبقي كالمنقبض عن الابتداء بالحديث حتى استأذن فيه ‏(‏إلا أهبة ثلاثة‏)‏ بضم الهمزة والهاء وبفتحهما جمع إهاب وهو الجلد وقيل إنما يقال للجلد إهاب قبل الدبغ فأما بعده فلا ‏"‏فقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب‏"‏ يعني أنت في شك في أن التوسع في الاَخرة خير من التوسع في الدنيا‏.‏ ‏"‏أولئك‏"‏ أي فارس والروم ‏"‏عجلت‏"‏ بصيغة المجهول من التعجيل ‏(‏قال‏)‏ أي عمر رضي الله عنه ‏(‏وكان أقسم على أن لا يدخل على نسائه شهراً فعاتبه الله في ذلك فجعل له كفارة باليمين‏)‏ وفي رواية البخاري في النكاح فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعاً وعشرين ليلة، وكان قال ما أنا بداخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله، فقوله فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء كلام من عمر رضي الله عنه بعد فراغه من كلامه الأول، فلذلك عطفة بالفاء، وقوله من أجل ذلك الحديث أي اعتزاله إنما كان من أجل إفشاء ذلك الحديث وهو ما روى أنه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية القبطية في بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تفعل هذا معي دون نسائك‏؟‏ فقال لا تخبري أحداً هي علي حرام، فأخبرت عائشة‏.‏ والذي في الصحيحين‏:‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها فتواطأت عائشة وحفصة على أن أيتهما دخل عليها فلتقل له أأكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير‏.‏ فقال لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ولن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً‏.‏ فقد اختلف في الذي حرمه على نفسه وعوتب على تحريمه كما اختلف في سبب حلفه‏.‏ قال الخازن في تفسيره‏:‏ قال العلماء الصحيح في سبب نزول الاَية أنها في قصة العسل لا في قصة مارية المروية في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح‏.‏ قال النسائي إسناد حديث عائشة في العسل جيد صحيح غاية انتهى‏.‏ وقد ذكر الحافظ في سبب اعتزاله صلى الله عليه وسلم روايات أخرى منها ما أخرجه ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس قال‏:‏ دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم بيتها فوجدت معه مارية فقال لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة، إن أباك يلى هذا الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مت، فذهبت إلى عائشة فأخبرتها فقالت له عائشة ذلك والتمست منه أن يحرم مارية فحرمها، ثم جاء إلى حفصة فقال أمرتك أن لا تخبري عائشة فأخبرتها فعاتبها ولم يعاتبها على أمر الخلافة‏.‏ فلهذا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏عرف بعضه وأعرض عن بعض‏}‏ وأخرج الطبراني في الأوسط وفي عشرة النساء عن أبي هريرة نحوه بتمامه وفي كل منهما ضعف ثم قال‏:‏ ويحتمل أن يكون مجموع هذه الأشياء كان سبباً لاعتزالهن وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم وسعة صدره وكثرة صفحة وأن ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن‏.‏ قال‏:‏ والراجح من الأقوال كلها قصة مارية لاختصاص عائشة وحفصة بها بخلاف العسل فإنه اجتمع فيه جماعة منهن، ويحتمل أن تكون الأسباب جميعها اجتمعت فأشير إلى أهمباً‏.‏ ويؤيده شمول الحلف للجميع ولو كان مثلاً في قصة مارية فقط لاختص بحفصة وعائشة انتهى‏.‏

وقوله حين عاتبه الله قال العيني ويروي حتى عاتبه إنه وهذه هي الأظهر وعاتبه الله تعالى بقوله‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك‏}‏ فلما مضت تسع وعشرون أي ليلة ‏(‏دخل على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ فيه أن من غاب عن أزواجه ثم حضر يبدأ بمن شاء منهن ولا يلزمه أن يبدأ من حيث بلغ ولا أن يقرع كذا قيل، ويحتمل أن تكون البداءة بعائشة لكونه اتفق أنه كان يومها قاله الحافظ ‏"‏قال يا عائشة إني ذاكر لك شيئاً فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك الخ‏"‏ سبق شرحه في تفسير سورة الأحزاب ‏(‏ولم يبعثني معنتاً‏)‏ يقال تعنته أي أدخل عليه الأذى وطلب زلتة ومشقته‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هذا منقطع بين أيوب وعائشة ويشهد لصحته حديث جابر انتهى‏.‏ قلت‏:‏ حديث جابر هذا رواه مسلم وفي آخره‏:‏ وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها أن الله تعالى لم يبعثني معنتا ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي‏.‏

1871- باب ومن سورة نون

مكية وهي اثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3443- حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى حدثنا أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ أخبرنا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ سُلَيْمٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قَدِمْتُ مَكّةَ فَلَقِيتُ عَطَاءَ بنَ أبي ربَاحٍ فَقُلْتُ يَا أبا مُحمّدٍ إِنّ أنَاساً عِنْدَنَا يَقُولُونَ في القَدَرِ، فقالَ عَطَاءٌ لَقِيتُ الوَلِيدَ بنَ عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ فقَالَ حدّثنِي أبي قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ إنّ أَوّلَ ما خَلَقَ الله القَلَمَ فقالَ لَهُ اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلى الأبَدِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي الْحَدِيثِ قِصّةٌ‏.‏ قال‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ عَن ابنِ عَبّاسٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وفي الحديث قصة‏)‏ روى الترمذي هذا الحديث مع القصة في أواخر أبواب القدر وتقدم هناك شرحه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ في سنده عبد الواحد بن سليم وهو ضعيف لكن أخرجه أبو داود من وجه آخر وسكت عنه هو والمنذري، وأخرجه أيضاً أحمد من طرق عن الوليد بن عبادة عن أبيه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفيه عن ابن عباس‏)‏ أخرج حديثه الطبراني كما في تفسير ابن كثير‏.‏

1872- باب ومن سورة الحاقة

مكية وهي إحدى أو اثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3444- حدثنا عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ عَن عَمْرِو بنِ أبي قَيْسٍ عَن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عَن عَبْدِ الله بنِ عُمَيرَةَ عَن الأحْنَفِ بنِ قَيْسٍ عَن العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ قال‏:‏ ‏"‏زَعَمَ أنّهُ كانَ جَالِساً في البَطْحَاءِ في عِصَابَةِ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِيهِمْ إِذْ مَرّتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ فَنَظَرُوا إِلَيْهَا فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هَلْ تَدْرُونَ ما اسْمُ هَذِهِ‏؟‏ قالُوا نَعَمْ هَذَا السّحَابُ‏؟‏ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ والمُزْنُ قالُوا‏:‏ وَالمُزْنُ‏.‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وَالعَنَانُ قالوا‏:‏ وَالعَنَانُ‏.‏ ثُمّ قالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بُعْدُ ما بَيْنَ السّمَاءِ وَالأرْضِ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ لاَ وَالله مَا نَدْرِي، قالَ‏:‏ فإِنّ بُعْدَ مَا بَيْنَهمَا إمّا وَاحِدَةٌ وَإمّا اثْنَتَانِ أَوْ ثَلاَثٌ وسَبْعُونَ سَنَةً والسّمَاءُ الّتِي فَوْقَهَا كَذَلِكَ حَتّى عَدّدَهُنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ كَذَلِكَ، ثُمّ قالَ‏:‏ فَوْقَ السّمَاءِ السّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أعْلاَهُ وَأسْفَلهِ كَمَا بَيْنَ سَمَاء إِلى سَمَاء، وفَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْن أَظْلاَفِهِنّ وَرُكَبِهِنّ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلى سَمَاءٍ ثُمّ فَوْقَ ظُهُورِهِنّ العَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ السّمَاءِ إِلى السّمَاءِ وَالله فَوْقَ ذَلِكَ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ يَحْيى بنَ مَعِينٍ يَقُولُ ألاَ يُرِيدُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ سَعْدٍ أَنْ يَحُجّ حَتّى نَسْمَعَ مِنْه هَذَا الْحَدِيثُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوى الولِيدُ بنُ أبي ثَوْرٍ عَن سِمَاكٍ نَحْوَهُ وَرَفَعُه‏.‏ وَرَوَى شَرِيكٌ عن سِمَاكٍ بَعْضَ هَذَا الحَدِيثِ وَأَوقَفَهُ وَلَمْ يَرْفَعَهُ‏.‏ وعَبْدُ الرّحْمَنِ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله بنِ سَعْدٍ الرّازِيّ‏.‏

3445- حدثنا محمد بن حميد الرازي، أخبرنا عَبدُ الرّحْمَن بنُ عَبْدِ الله بنِ سَعْدٍ الرازي أَنّ أباهُ أَخْبَرَهُ أن أباه رحمه الله أخبره كذا قال أخبره قالَ‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ رَجُلاً بِبُخَارَى عَلَى بَغْلَةٍ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ ويَقُولُ كَسَانِيهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن أبي قيس‏)‏ الرازي ‏(‏عن عبد الله بن عميرة‏)‏ بفتح العين المهملة وكسر الميم وبالراء‏.‏ قال في التقريب كوفي مقبول من الثالثة، وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن الأحنف بن قيس عن العباس حديث الأوعال وعنه سِمَاك بن حرب ‏(‏عن الأحنف بن قيس‏)‏ بن معاوية بن حصين التميمي السعدي أبي بحر إسمه الضحاك وقيل صخر مخضرم ثقة ‏(‏عن العباس بن عبد المطلب‏)‏ بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم مشهور مات سنة اثنتين وثلاثين أو بعدها وهو ابن ثمان وثمانين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زعم‏)‏ أي قال ‏(‏أنه‏)‏ أي العباس ‏(‏كان جالساً في البطحاء‏)‏ أي في المخصب وهو موضع معروف بمكة فوق مقبرة المعلا وقد تطلق على مكة، وأصل البطحاء على ما في القاموس مسيل واسع فيه دقاق الحصى ‏(‏في عصابة‏)‏ بكسر أوله أي مع جماعة من كفار مكة قال الطيبي استعمال زعم ونسبته إلى عباس رمز إلى أنه لم يكن حينئذ مسلماً ولا كانوا تلك العصابة مسلمين يدل عليه البطحاء ‏"‏هل تدرون ما إسم هذه‏"‏ إشارة إلى السحابة ‏"‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمزن‏"‏ أي واسم هذه المزن أيضاً‏.‏ قال في النهاية‏:‏ المزن هو الغيم والسحاب واحدته مزنة وقيل هي السحابة البيضاء ‏(‏قالوا والمزن‏)‏ أي إسمها أيضاً المزن ‏"‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والعنان‏"‏ كسحاب زنة ومعنى من عن أي ظهر في النهاية‏:‏ العنان بالفتح السحاب والواحدة عنانة وقيل ما عن لك منها أي اعترض وبدا لك إذا رفعت رأسك ‏"‏فإن بعد ما بينهما‏"‏ أي مقدار بعد مسافة ما بين السماء والأرض ‏"‏إما واحدة وإما إثنتان أو ثلاث وسبعون سنة‏"‏ قيل وإما وأو للشك من الراوي وقيل للتنويع‏.‏ قال الأردبيلي الرواية في خمس مائة أكثر وأشهر فإن ثبت هذا فيحتمل أن يقال إن ذلك باختلاف قوة الملك وضعفه وخفته وثقله فيكون بسير القوى أقل وبسير الضعيف أكثر، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إما واحدة وإما اثنتان وإما ثلاث وسبعون سنة‏"‏ انتهى‏.‏ قال الطيبي المراد بالسبعون في الحديث التكثير لا التحديد لما ورد من أن ما بين السماء والأرض وبين سماء وسماء مسيرة خمس مائة عام ‏"‏والسماء التي فوقها‏"‏ أي فوق سماء الدنيا كذلك أي في البعد ‏"‏وفوق ذلك‏"‏ أي البحر ‏"‏ثمانية أوعال‏"‏ جمع وعل وهو العنز الوحشي ويقال له تيس شاة الجبل والمراد ملائكة على صورة الأوعال ‏"‏بين أظلافهن‏"‏ جمع ظلف بكسر الظاء المعجمة للبقر والشاة والظبي بمنزلة الحافر للدابة والخف للبعير ‏"‏وركبهن‏"‏ جمع ركبة ‏"‏ثم على ظهورهن العرش‏"‏ أي هو محمول عليها ‏"‏بين أسفله‏"‏ أي العرش ‏"‏مثل ما بين السماء إلى السماء‏"‏ أي من كشرة البعد مع قطع النظر عن الحد وإلا فجميع المخلوقات بجنب العرش كحلقة في فلاة على ما ورد به في حديث ‏"‏والله فوق ذلك‏"‏ أي فوق العرش، وفيه دليل على أن الله تعالى فوق العرش وهذا هو الحق وعليه تدل الاَيات القرآنية والأحاديث النبوية وهو مذهب السلف الصالحين من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم رضوان العلم رضوان الله عليهم أجمعين‏.‏ قالوا إن الله تعالى استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والاستواء معلوم والكيف مجهول، والجهمية قد أنكروا العرش وأن يكون الله فوقه وقالوا إنه في كل مكان ولهم مقالات قبيحة باطلة، وإن شئت الوقوف على دلائل مذهب السلف والاطلاع على رد مقالات الجهمية الباطلة فعليك أن تطالع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وكتاب أفعال العباد للبخاري وكتاب العلو للذهبي وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحمل العرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية‏}‏ قوله‏:‏ ‏(‏ألا‏)‏ حرف التحضيض ‏(‏حتى يسمع‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏هذا الحديث‏)‏ أي لم لا يحج عبد الرحمن بن سعد حتى يسمع منه في موسم الحج هذا الحديث الراد على الجهمية قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود من ثلاث طرق اثنتان منها قويتان ‏(‏وروى الوليد بن ثور عن سماك نحوه ورفعه‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجة من هذا الطريق‏.‏ قال الحافظ ابن القيم في تعليقات سنن أبي داود‏:‏ أما رد الحديث بالوليد بن أبي ثور ففاسد فإن الوليد لم ينفرد به بل تابعه عليه إبراهيم بن طهمان كلاهما عن سماك ومن طريقه رواه أبو داود ورواه أيضاً عمرو بن أبي قيس عن سماك ومن حديثه رواه الترمذي عن عبد بن حميد أخبرنا عبد الرحمن بن سعد عن عمرو بن أبي قيس انتهى‏.‏ ورواه ابن ماجة من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك، وأي ذنب للوليد في هذا وأي تعلق عليه إنما ذنبه روايته ما يخالف قول الجهمية انتهى كلامه مختصراً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الرازي أن أباه أخبره‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة والصواب أن يكون هكذا أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الرازي عن أبيه أن أباه أخبره بزيادة لفظ عن أبيه بين الرازي وإن أباه، فإن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد يروي هذا الحديث عن أبيه عبد الله بن سعد وهو يرويه عن أبيه سعد أنه قال رأيت رجلاً ببخارى، والدليل على ذلك أن أبا داود روى هذا الحديث هكذا قال حدثنا عثمان بن محمد الأنماطي البصري أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله الرازي‏.‏ وأخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الرازي أخبرنا أبي قال أخبرني أبي عبد الله بن سعد عن أبيه سعد قال رأيت رجلاً ببخارى الخ، وكذا رواه النسائي والحاكم وقال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الله بن خازم روى أبو داود والترمذي والنسائي حديث عبد الله بن سعد بن عثمان الدشتكي عن أبيه قال رأيت رجلاً ببخارى الخ، وعبد الله بن سعد بن عثمان الدشتكي هذا صدوق من العاشرة وأبوه سعد بن عثمان مقبول من الخامسة ‏(‏رأيت رجلاً‏)‏ إسمه عبد الله بن خازم روى الحاكم من طريق عبد الله بن سعد عن أبيه‏.‏

قال رأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ببخارى عليه عمامة خز سوداء هو يقول كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن خازم انتهى‏.‏ وقال في الأطراف‏:‏ قيل إن هذا الرجل عبد الله بن خازم السلمي أمير خرسان وقال الحافظ في التقريب‏:‏ عبد الله بن خازم بمعجمتين السلمي أبو صالح نزل البصرة وولي إمرة خرسان وقتل بها بعد قتل مصعب بن الزبير سنة إحدى وسبعين يقال إنه الذي روى عنه الدشتكي قال رأيت رجلاً بخرسان عليه عمامة سوداء يقول كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي انتهى ‏(‏وعليه‏)‏ أي على الرجل ‏(‏عمامة سوداء‏)‏ وفي أبي داود عمامة خز سوداء ‏(‏يقول كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ قل استدل بهذا على جواز لبس الخف وأنت خبير بأن غاية ما في الحديث أنه أخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساه عمامة الخز وذلك لا يستلزم جواز اللبس، وقد ثبت من حديث علي عند البخاري قال كساني النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي فلم يلزم من قول علي جواز اللبس، وهكذا قال عمر لما بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم بحلة سيراء يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إني لم أكسكها لتلبسها‏"‏‏.‏ هذا لفظ أبي داود، وبهذا يتبين لك أنه لا يلزم ملي قوله كساني جواز اللبس والله أعلم‏.‏

فإن قيل‏:‏ لم أورد الترمذي هذا الحديث في تفسير هذه الصورة لا تعلق بها قلت لعله أورده ههنا لبيان أن عبد الرحمن بن سعد المذكور في سند الحديث المتقدم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الرازي وأنه من أتباع التابعين والله تعالى أعلم‏.‏

1873- باب ومن سورة سأل سائل

وتسمى المعارج مكية وهي أربع وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3446- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عَن عَمْرِو بنِ الحَارِثِ عَن دَرّاجٍ أَبي السّمْحِ عَن أَبي الهَيْثَمِ عَن أبِي سَعِيدٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏{‏كالْمُهْلِ‏}‏ قالَ‏:‏ كَعَكر الزّيْتِ فإِذَا قُرّبَ إِلى وَجْهِهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‏{‏كالمهل‏}‏‏)‏ تقدم هذا الحديث بشرحه في باب صفة شراب أهل النار‏.‏